فلتتعاون لجنة «ميليس« مع نفسها أولاً!

حين يبني تقرير ميليس جزءاً كبيراً من حيثيات تحقيقه على شاهد معين، ثم يأتي ذلك الشاهد بعد هروبه ليدلي في مؤتمر صحفي بأن شهادته في التقرير كانت شهادة زور تحت الضغط والاغراء المادي، كما حدث بالنسبة للشاهد «هسام طاهر هسام« فإن من المفترض بشكل بديهي ان تتم مراجعة ذلك التقرير والكثير من الحيثيات التي بنيت عليه لإدانة سوريا في جريمة اغتيال الحريري، فليس من المعقول أن توظف سوريا شاهداً ليدينها بشهادة زور أولاً، ثم ليقوم بالاعتراف بكذبه ثانية من اجل تبرئة سوريا!
هذا تقريباً ما تريد ان تقوله لجنة التحقيق الدولية والعديد من السياسيين اللبنانيين المناوئين لسوريا، بعد ما كشفه الشاهد السوري من فضائح وضغوط وابتزازات، ليدلي بشهادة زور تدين بلده، رغم أنه كان سابقاً عميلاً لمخابراتها. واذا كان المطلب الحقيقي وراء لجنة التحقيق الدولية هو كشف الحقيقة كما تقول، فمن المهم أولاً (فك الارتباط) بين مجريات التحقيق، وبين ضغوط أمريكا لمعاقبة سوريا كبلد وكشعب بناء على هذا التحقيق، مما يجعل المسألة ليست فقط «مسيسة« بالدرجة الأولى، وإنما هذا التحقيق يتحول الى جريمة دولية كبرى، حين يجعل من نفسه المشجب والمعبر لفرض عقوبات على شعب بأكمله، اندياحا نحو مخاطر اخرى اكبر كشن هجوم عسكري، فيما ليس فقط التحقيق لم يكتمل وإنما أيضاً التقرير الصادر مشكوك في أمره لأكثر من سبب و«ميليس« ذاته كرئيس للجنة التحقيق الدولية هذه، له ملف صاخب حول اسلوب ادائه في التحقيق سابقاً، وهو الملف الذي يفضح ذلك الاسلوب وذلك الأداء باعتماده على شهادات الزور أو على مختلين عقلياً أو على استخدام الرشاوى وشراء الذمم، مما يجعل من مسألة (هسام طاهر هسام) مسألة عادية كشاهد زور تم سابقاً اعتماد (ميليس) على امثاله في قضايا اخرى كان يحقق فيها داخل ألمانيا او اوروبا مما انكشف في البرنامج الوثائقي الذي اذاعته محطة الـ (نيو تي في) وتحدثنا عنه في مقال سابق. لذلك فإن من المستغرب هنا هجوم (وليد بيك جنبلاط) على سوريا بعد انكشاف تراجعات (هسام طاهر هسام) عن شهادته للجنة التحقيق الدولية باعتبارها شهادة زور تمت تحت الضغط والإغراء، وحيث بنى وليد جنبلاط هجومه على سوريا بأن اعترافات الشاهد مسرحية مضحكة، وان سوريا تسعى لتمزيق الصف الوطني اللبناني، وكأن على سوريا ألا تكشف عيوب لجنة التحقيق ولا تدافع عن نفسها، لكي تثبت التهمة عليها زوراً حتى لا يتمزق الصف الوطني اللبناني! ما أغرب مثل هذه الحجة وبدل ان يبحث جنبلاط وأعوانه والمتضررون من اعترافات الشاهد الى التشكيك في تقرير ميليس، ماداموا يبحثون عن الحقيقة وحدها فإنهم بشكل عبثي يوجهون التشكيك مجدداً نحو سوريا، وهكذا تندغم بعض تحركات وتصرفات وتصريحات بعض اللبنانيين مع النوايا الامريكية المبيتة ضد سوريا التي يراد اخراجها عن طريق الأمم المتحدة ولجنتها الدولية في الوقت الذي من المفترض فيه ان يبحث طلاب الحقيقة عن الحقيقة نفسها لا عن مجرد اثبات التهمة على سوريا بالحق او بالباطل وعن طريق شهادات صحيحة او ملفقة حيث كما يبدو أصبح استهداف الشعب السوري هو الحقيقة التي يجب اثباتها! مهما قال هؤلاء بعد ذلك عن أنهم يبحثون عن حقيقة من وراء اغتيال الحريري، فيما لا أحد تأخذه الحمية ذاتها تجاه أهمية فصل مجريات التحقيق عن الحملة الامريكية بفرض عقوبات على الشعب السوري! فأين هي الحقيقة؟!