النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حكم تولي المرأة الولايات العامة

  1. #1
    الصورة الرمزية كلمة حق
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    12- 2004
    المشاركات
    1,331

    حكم تولي المرأة الولايات العامة

    الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى

    نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى ، وبعد :

    فهذا خلاصة بحثٍ كتبه فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق ـ حفظه الله ـ

    في مسألة " حكم تولي المرأة الولايات العامة والاشتراك في المجالس

    التشريعية نائبة وناخبة " ، آمل أن تجدوا فيه الفائدة .

    -----------------------------------

    الباب الأول

    على أن تولي المرأة للولايات العامة ودخولها إلى

    المجالس التشريعية ليس حقاً لها ولا واجباً عليها :


    أولاً: إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن

    تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا عدم تكليف المرأة بشيء من هذه الولايات:

    الدليل الأول على أن تولي المرأة للولايات العامة، والتشريع للأمة من

    خلال مجالس الشورى، أو أية مسمى آخر ليس واجبا على المرأة

    ولا هو حق لها، وأن الشريعة لم تأت به قط:

    هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول امرأة قط شأنا من

    هذه الشئون، ولو كان هذا حقا من حقوق المرأة، أو واجبا من الواجبات

    عليها لما أغفل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق والواجب.

    كيف وهو رسول الله، الأمين على تطبيق شريعته، وتنفيذ

    أحكامه، وتبليغ رسالته؟

    كيف والرسول صلى الله عليه وسلم قد مكنه الله، وكان الحاكم بأمر الله

    بين المسلمين , قال تعالى

    {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (النساء:105).

    وقد تولى النبي صلى الله عليه وسلم جميع مهام الحكم:

    من القضاء بين الناس وتولية الأمراء، عزلهم ومحاسبتهم، وإرسال

    الجيوش، وإعلان الحرب، وعقد الصلح والهدنة والسلم، ومخاطبة الملوك

    ودعوتهم وتهديدهم وإنذارهم، فقد أرسل لكسرى عظيم فارس [أسلم تسلم]

    ولقيصر عظيم الروم [أسلم تسلم..] ..الخ وولى رسول الله أمراء على

    النواحي والمدن، في مكة وعمان والبحرين، واليمن وعلى الوفود

    وولى على الزكاة والصدقات..

    ولم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى امرأة واحدة

    في كل هذه الولايات.

    ولو كان تولي هذه الولايات أو بعضها واجبا على المرأة، لما أغفل

    النبي صلى الله عليه وسلم هذا الواجب ولو كان حقاً كذلك من حقوق المرأة

    فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يمنع النساء من هذا الحق.

    وكذلك الحال مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين

    الذين تولوا أمر المسلمين بعده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم

    فإن أحدا منهم لم يول امرأة ولاية عامة:

    إمارة بلدة أو قضاء ناحية، أو قيادة جيش، أو أمراً عاماً كالزكاة،

    والقضاء، والوفود، والسفارة.

    ولا دخلت امرأة واحدة إلى مجلس الحكم أو الشورى لخليفة من هؤلاء

    الخلفاء الراشدون فكيف يجمع هؤلاء الخلفاء الأربعة في عصر الإسلام الزاهر

    على حرمان المرأة حقاً هو لها، أو واجباً أوجبه الله عليها؟!

    كيف وهذه الأمة لا تجتمع على باطل..

    أليس حرمان المرأة حقاً من حقوقها أو عدم تمكينها من القيام بواجبها باطل؟!

    فكيف تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ذلك!!؟

    ثم هؤلاء خلفاء الإسلام الذين جاءوا بعد الخلافة الراشدة:

    بنو أمية، وبنو العباس، وبنو عثمان، وما تخلل ذلك من حكومات الإسلام

    هل كان منهم من ولى امرأة ولاية من هذه الولايات العامة؟

    وهل كان منهم من جعل امرأة عضواً في مجلس التشريع؟

    هل يتصور أن تظل أمة الإسلام على هذا الباطل في كل عصورها؟!

    ثانياً: ليس هناك في الكتاب والسنة ما يثبت أن للمرأة حقاً في

    الولايات العامة أو أنه يجب عليها تولي الولايات:

    الدليل الثاني أن القرآن -كتاب الله المحكم-

    وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيها

    ما يثبت هذا الحق، أو يقضي بهذا الواجب.

    فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأداء الأمانات إلى أهلها..

    قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم
    بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء:58).

    ولم يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية بقوله ولا فعله

    أن المرأة من أهل الولاية وأن من أداء الأمانة إلى أهلها توليتها.

    ولم يقل أحد قط من أهل العلم إن المرأة هي أهل لتحمل أمانة الحكم.

    وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ليس فيه حرف واحد يدل على

    أن تولية المرأة للولايات العامة واجب عليها أو حق لها.

    بل في القرآن ما يدل على غير ذلك وهو ما سنبينه

    في الفقرة التالية إن شاء الله تعالى.

    ثالثاً: آيات القرآن تمنع المرأة من الولايات العامة والخاصة:

    الدليل الثالث أن آيات كثيرة من القرآن الكريم قد جاءت بمنع المرأة

    من الولايات العامة، بل ومن الولايات الخاصة (ولاية المنزل والأسرة)

    فمن ذلك:

    (أ) الولاية للرجل في الأسرة والمنزل:

    قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على
    بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء:34).

    وهذه الآية نص في قوامة المنزل والأسرة خاصة، وهي كذلك نص عام

    بجعل القوامة مطلقاً للرجال على النساء

    فإن {الرجال} بالألف واللام للإستغراق، و {النساء} بالألف واللام للإستغراق

    فحيثما وجد رجال ونساء فإن الواجب الشرعي أن تكون القوامة للرجال

    دون النساء، والقوامة هنا هو القيام بأمر الغير، وتولي ولايته، ورجوع الأمر إليه.

    (ب) جعل شهادة المرأة على العقود عند عدم وجود الرجل

    على النصف من شهادة الرجل:

    قوله تعالى في آية الدين: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن
    لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل
    إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} (البقرة:282).

    وهذه الآية دليل صريح أن عقل الرجل أكمل من عقل المرأة.

    ومن لوازم ذلك منعها من الولاية عليه.

    وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية وذكر السبب الذي جعلت

    شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فقال:

    [أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل]. فقلن: بلى، فقال:

    [فذلك من نقصان عقلها] [البخاري، باب ترك الحائض الصوم].

    فكيف يولى المفضول على الفاضل.

    (ج) سليمان عليه السلام يزيل عرش بلقيس:

    قوله تعالى فيما ذكره عن سليمان عليه السلام وملكة سبأ أن الهدهد

    جاءه مخبراً مستنكراً أمراً فظيعاً فقال:

    {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين* إني وجدت امرأة
    تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم* وجدتها وقومها
    يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم
    عن السبيل فهم لا يهتدون} (النمل:22-24).

    وقد استنكر الهدهد من شأن هؤلاء القوم أمرين عظيمين: كون امرأة

    تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله!!

    ولذلك عمل سليمان على إزالة هذين المنكرين جميعاً، فلما أرسل كتابه

    إليهم أمرهم بأمرين: هو أن يسلموا، وأن يأتوا إليه، وهددهم

    بقوله {ألا تعلو علي} ولو كان متولي أمرهم رجلاً لأمرهم بالإسلام فقط

    وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته

    وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن النبي كان يدعو الملوك إلى الإسلام

    فإن أسلموا أقرهم على بلادهم كما فعل مع ملك عمان، وملك البحرين.

    ومن لم يقبل من الإسلام حاربه.

    وسليمان لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ويقرها ملكة على قومها

    لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه.

    ولذلك دعاها وقومها للإسلام وأن تأتي بنفسها إليه هي وقومها خارجة

    من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها..

    ولما تيقن سليمان أن المرأة قد جاءته مسلمة مذعنة لم يكتف بهذا بل

    نقل عرشها كله إليه ليسل عرشها وينهي وجود هذا المنكر في كون

    امرأة تتولى هذا الشأن العام وهذه الولاية الكبرى في قومها..

    ولو كان تملك امرأة جائزا في شرع سليمان لأقرها في حكمها

    بعد أن أعلنت إسلامها.

    ولما استحل أن يأخذ عرشها من خلف ظهرها..

    (د) النساء مأمورات بالقرار في البيت:

    قوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا
    تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً* وقرن
    في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة
    وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
    ويطهركم تطهيراً* واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة
    إن الله كان لطيفاً خبيراً} (الأحزاب:32-34).

    وهذه الآيات تعليم وتوجيه وأمر لازم لنساء النبي صلى الله عليه وسلم

    في أدب الكلام ووجوب القرار في البيت والنهي عن تبرج الجاهلية.

    ولا شك أن الأمر بالقرار في البيوت لنساء النبي اللاتي هن قدوة

    جميع النساء ينافي تولي المرأة للولايات العامة التي من ضروراتها

    الخروج اليومي من المنزل، والخلطة بين الرجال، فإن امرأة تكون

    وزيرة أو أميرة أو قاضية لا بد لها من الخروج كل يوم والاختلاط

    بأصحاب الحاجات، ومعرفة الناس رجالهم ونسائهم.. وهذا ينافي

    أمر الله للنساء بوجوب القرار في المنزل.

    (هـ) حجب المرأة عن الرجال أصلح لقلوب الجميع:

    قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} (الأحزاب:53)

    وهذا أمر لأصحاب النبي في كيفية طلبهم حاجة من أمهات المؤمنين

    وهو ألا يسألونهن إلا من وراء حجاب (جدار أو ستارة ونحوها)

    وعلل الله ذلك بأن هذا أطهر لقلوب الصحابة، وأطهر لقلوب أمهات المؤمنين!!

    فكيف وهذه القلوب جميعها قد طهرها الوحي، والصحبة، ونقاها

    ضوء الإسلام الساطع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم..

    فكيف بمن بعد عهدهم عن الوحي والصحبة..

    ألا يرشد هذا إلى أنه كلما كان هناك حجاب بين المرأة والرجل الأجنبي

    عنها كان هذا أطهر وأكمل..

    فكيف يتوافق هذا مع زج المرأة إلى الولاية العامة التي من شأنها

    ولوازمها الخلطة اليومية بين المرأة وبين غير محارمها.

    رابعاً: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قاضية بأن المرأة لا تتولى ولاية عامة:

    علمنا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية أنه لم يول امرأة قط

    في شأن من شئون المسلمين العامة على كثرة ما ولى صلى الله عليه وسلم:

    أمراء للنواحي، وقوادا للجيوش، ونواباً على المال والزكاة، والصدقات

    وبعوثا للتعليم، وسفراء بينه وبين الملوك والرؤساء، وهذا وحده دليل كاف

    على أن المرأة لا حق لها في الولاية، ولا يجب عليها تولي شئون المسلمين.

    لأنه لو كان لها حق فيه لما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم

    ولو كان واجبا عليها لما ترك رسول الله الزام النساء بهذا الواجب.

    لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة:

    وأما السنة القولية للرسول صلى الله عليه وسلم فإنها قاضية كذلك

    أن تولية المرأة ولاية عامة هو أحد الآثام وهو دليل الخيبة والفشل.

    ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]

    وسياق هذا الحديث على النحو التالي: روى البخاري بإسناده

    إلى أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها

    من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق

    بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم

    أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال:

    [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] (رواه البخاري).

    ووجه الشاهد في هذا الحديث ما يأتي:

    أ- إخبار الرسول بأن أمر مملكة الفرس إلى فشل وزوال وأنهم لا

    فلاح لهم بعد أن ولوا أمرهم امرأة.

    وقد دل هذا على أن تولية المرأة للولاية العامة من أسباب الفشل وعدم الفلاح.

    ب- إخبار الرسول إخبارا عاما عن الفرس وغيرهم أن القوم الذين

    يولون المرأة الولاية العامة لا يفلحون لأن (قوما) لفظ عام، (وامرأة) لفظ عام..

    فيدخل فيه كل قوم ولوا امرأة عليهم..

    وهل هو عام يراد به خصوص الفرس الذي الحديث بشأنهم أم هو عام

    في كل الأقوام يحتمل هذا وهذا..

    ج- فهم أبو بكرة رضي الله عنه من هذا الحديث أن تولية المرأة دليل

    فشل سواء كان هذا في قوم كفار أو قوم مسلمين ومن أجل ذلك رجع

    عن الخروج مع الجيش الذي فيه أم المؤمنين رضي الله عنها.

    د- استدل عامة من رأى من العلماء أنه ليس للمرأة ولاية عامة بهذا الحديث:

    قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن التين "استدل بحديث أبي بكرة

    من قال: لا يجوز أن تولى المرأة القضاء وهو قول الجمهور، وخالف

    ابن جرير الطبري رحمه الله فقال: "يجوز أن تقضي فيما تقبل من شهادتها فيه " أ.هـ

    خامساً: إجماع الأمة عل منع المرأة من الولايات العامة:

    الدليل الخامس على تحريم تولي المرأة للولايات العامة هو الإجماع

    على ذلك من كل علماء الأمة.

    في جميع عصورها. فلم ينقل عن واحد من العلماء جواز تولي المرأة

    الولاية العامة الكبرى (خلافة المسلمين) والإمامة العامة في الأمة

    على المسلمين جميعاً أو مجموعة منهم فتكون هي السيد الأعلى

    والرئيس العام والإمام.. ولم يخالف في هذا الأمر أحد من علماء المسلمين

    قاطبة في كل عصورهم. ويكفيك بالإجماع حجة في هذا الأمر.

    وأما الولايات التي هي دون الولاية الكبرى كالوزارة، والقضاء ونحو ذلك..

    فقد شذ بعض أهل العلم فرأى جواز تولية المرأة القضاء فيما تصح به

    شهادتها فقط وليس القضاء العام.

    وهذا القول كذلك مردود لأنه لا دليل عليه وهو مخالف للقرآن والسنة

    وعمل المسلمين في كل العصور.

    الباب الثاني:

    الأدلة التي استدل بها من قال إن المرأة يجوز لها تولي الولايات العامة :


    - استدل من يقول بذلك بأدلة منها أن القرآن والسنة ليس فيها

    ما يمنع ذلك وأن الأصل هو الإباحة.

    والجواب عن هذه الشبهة هو ما قدمناه من أدلة الكتاب والسنة

    بمنع المرأة من ذلك.

    - واستدلوا بملكة سبأ وأنها كانت امرأة عاقلة حكيمة أثنى الله عليها.

    والجواب ما قدمناه في أنها كانت امرأة مشركة كافرة، ولما أسلمت

    تخلت عن الملك لسليمان وقالت

    {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}

    وأن سليمان قد سعى بقوته في إزالة ملكها وعرشها.

    - واستدلوا بخروج أم المؤمنين عائشة أميرة على الجيش الذي حارب

    في موقعة الجمل.

    والجواب أنها لم تخرج أميرة ولا حاكمة ولا كان الجيش الذي هي فيه

    يرى إماما لهم غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد كان بالجيش

    طلحة والزبير وهما اللذان كانا على رؤوس الناس، وإنما خرجوا للإصلاح

    وظنوا أن وجود أم المؤمنين معهم أنفع في جمع الكلمة، وتجنيب المسلمين

    الحرب ثم كان ما كان مما لم يقع في الحسبان.

    هذا وقد ندمت أم المؤمنين رضي الله عنها على هذا الخروج، ولامها

    كبار الصحابة، وجاء الحديث النبوي بالتحذير من هذا الخروج، فكيف

    يكون هذا دليلاً على تولي المرأة الولايات العامة!!؟

    - واستدلوا بسماع الرسول صلى الله عليه وسلم لمشورة أم سلمة رضي الله عنها

    في غزوة الحديبية فما وجه الدلالة أن يكون سماع الرسول لمشورة

    أم سلمة دليلا على جواز انتخابها وترشيحها..

    وهل جعل الرسول أم سلمة عضوا يستشار، وهل كان لها ولأمهات المؤمنين

    مشورة في سياسة الأمة وهل كان لهما مع الصديق والفاروق ونظرائهم

    من الرجال رأي في اختيار الأمراء والوزراء، وإعداد الجيوش ونظام بيت المال!!

    ولم يقل أحد: إنه يحرم لذي سلطان أن يستشير زوجته في شأن ما، أو

    يأخذ رأي النساء في قضية من القضايا كما للمرأة الحق في أن

    تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدل على الخير..

    ولكن أن يكون لها الحق أو عليها الواجب أن تتولى ولاية عامة إمارة

    أو وزارة، أو قضاءا، أو تكون عضوا في مجلس تشريعي..

    فليس في هذه القصة دليل على هذا الأمر.

    - ومن أقبح ما استدل به القائلون بتولية المرأة استدلالهم بتولي

    شجرة الدر التركية محظية الملك الصالح نجم الدين أيوب شئون الحكم

    في مصر وأنها قاتلت الفرنج وهزمتهم.. الخ.

    وهذا من أقبح أنواع الاستدلال. فإن الحجة الشرعية إنما هي في

    كلام الله وكلام رسوله، وإجماع الأمة، ثم يستدل بعد ذلك بفعل

    الصحابة والراشدين، وقد يستدل بعد ذلك بأقوال أهل العلم واجتهاداتهم..

    أما أن تجعل الأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة دليلاً شرعيا فهذا من العجب..

    - ومن الشبهات قولهم إن النيابة ليست ولاية عامة وأنها لا تعدو أن تكون

    أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وإن الشريعة قد أجازت قيام المرأة بهذا

    بل أوجبته عليها كما قال تعالى:

    {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون
    عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك
    سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة:71).

    - والجواب أن النيابة من الولايات العامة بل هي من أكبر الولايات العامة، لأن

    النائب بمقتضى الدساتير الوضعية، هو الذي يزكي الوزراء ويحاسبهم

    ويعزلهم، ويسقط حكومة ويأتي بغيرها، فالنائب هو القيم والقائم بشأن

    غيره، بل هو المتولي حقيقة للولاية العامة، والوزراء هم وكلاء عن النواب

    في تنفيذ ما يشرعونه، ويأمرونه به، ولذلك فسلطة النائب أكبر من سلطة الوزير..

    لأن من له حق التعيين والعزل والمحاسبة هو الذي له اليد العليا

    فيكون هو الولي على غيره.. فكيف يقال إن النيابة ليست من الولايات العامة

    ولذلك فيجوز أن تتولاها المرأة؟

    - ومن الشبهات قول بعضهم إن اختيار المرأة من تراه أهلا للنيابة عنها

    في المجالس التشريعية ليس من الولايات العامة وبذلك يجوز لها أن تنتخب

    من تشاء لذلك، وأن هذا لا يعدو أن يكون توكيلا.

    وللمرأة الحق في أن توكل من تشاء من الرجال في مصالحها الخاصة

    وهذا من المجمع عليه.

    والجواب أن ترشيح المرأة من تراه أهلا للنيابة ليس وكالة من كل وجه

    وإنما هو بمثابة شهادة، ووكالة، وتزكية، واختيار للأصلح وللأكفأ.

    فأما الشهادة فإنه لا تصح شهادة المرأة إلا في الشئون الخاصة بالنساء

    وشهادتها على الدين إنما هو للضرورة عند عدم وجود الرجال كما

    قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين
    فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر
    إحداهما الأخرى} (البقرة:282).

    ولا شهادة للمرأة على عقود الزواج ولا في الحدود، ولا

    في الأمور التي ليست من شأنها..

    وأما تزكية المرأة للرجال فإنها ممنوعة لأن التزكية تحتاج إلى خلطة

    ومعرفة والمرأة لا خلطة لها بالأجانب غير المحارم فكيف تزكيهم؟

    ‍‍ وتشهد بعدالتهم..

    وأما اختيار الأصلح والأكفأ فإن هذا يحتاج إلى علم أوسع بالرجال

    والناس، وتفضيل الكفء على غيره، وهذا لا دخل للنساء فيه.

    ومن أجل ذلك لم يكن للنساء في هذا الأمر شأن قط لا في

    عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

    ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا في جميع عصور الإسلام.

    وأما الوكالة فإنه يصح للمرأة أن توكل من تشاء في شئونها، ولكن

    النيابة ليست وكالة فقط، وإنما هي عقد تجتمع فيه كل هذه الأمور:

    الوكالة، والشهادة، والتزكية، وترشيح من يتولى الأمور العامة..

    فقياس جواز الوكالة للمرأة على الترشيح للنيابة قياس باطل.

    - ومما استدلوا به في جواز تولية المرأة الولايات العامة قولهم إن الأحكام

    تتغير بتغير الزمان والمكان، وإن منع الرسول النساء من الولايات العامة

    وقوله عن أهل فارس لما ولوا بنت ملكهم [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]

    أن ذلك كان لأن النساء لم يكن يتعلمن في ذلك الوقت، وكن بعيدات

    عن أمور السياسة والحكم، وأما الآن فإن التعليم شمل الرجال والنساء

    وقد تكون المرأة أعظم تعليما من الرجل، فيجب

    قصر هذا الحكم على زمان الرسول..

    هكذا قالوا.. وهذا القول من أعظم الوسائل والأساليب لتبديل شريعة الله

    وجعل أحكامها لفترة زمنية محددة، والانتقال إلى التشريع بالهوى

    والجهل، والقول على الله بلا علم..

    ولا شك أن كلام الله وكلام رسوله إنما هو للزمان كله والمكان كله ولا

    يختص شيء بالأحكام بزمان معين إلا ما جاء مقيدا بهذا الزمان فالحلال

    ما أحله الله إلى يوم القيامة، والحرام ما حرمه الله إلى يوم القيامة والدين ما شرعه..

    - ومن الشبهات أيضا قولهم إن ترشيح المرأة للنيابة العامة إنما هو نوع

    من الشورى، وأن الشورى ليست ممنوعة على المرأة لأن الله قال في كتابه

    سبحانه وتعالى: {وأمرهم شورى بينهم} وهذا يشمل الرجال والنساء.

    والجواب لا شك أن هذه الآية نازلة عل النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل

    بها أصحابه من بعده فهل كان تطبيق الرسول لهذه الآية أن عقد مجلسا

    يشاور فيه النساء، أو جعل لهن مع الرجال مجلسا خاصا بذلك.

    وهل شاور رسول الله النساء في قيادة الجيوش، وخطط للحرب، وتولية

    أمرائه وعزلهم، وفي شأن الوفود، وخطاباته إلى الملوك، وهل قام خلفاؤه

    من بعده بشيء من ذلك فجعلوا للمرأة نصيباً واجباً في هذه الشورى، أم

    أن مشاورة الرسول في هذه الشئون كانت للرجال فقط


    يتبع

  2. #2
    الصورة الرمزية كلمة حق
    Title
    نبض كاتـــب
    تاريخ التسجيل
    12- 2004
    المشاركات
    1,331
    الباب الثالث:

    واقع العملية الانتخابية:


    مما يجب أن يحمل على المنع من ترشيح المرأة وانتخابها ما

    يحتف ويقارن العملية الانتخابية في ظل الوضع الراهن وفي ظل الأنظمة

    والقوانين التي تنظم عملية الانتخاب والترشيح.

    فإنه من ضرورات التقدم والنجاح في النيابة العامة، المعرفة الواسعة

    بالناخبين ووجود ما يسمى بالقاعدة العريضة من المؤيدين ولا يحصل

    هذا إلا بالشهرة الواسعة والعلاقات العامة، والخلطة بين الناس، والسعي

    في مصالحهم، والتعرف على مشكلاتهم، ولا شك أن خوض المرأة

    لغمار ذلك كله لا بد وأن يجعلها مبتذلة، مخالطة، ليس بينها وبين

    ناخبيها حجاب، ولا بينها وبين ناخبيها وسائط

    إلا للتعريف بها، وتقديمها للآخرين.

    وهذا يؤدي بالضرورة إلى إلغاء كثير من التكاليف الشرعية

    الخاصة بالمرأة كالحجاب، والخلوة، وتجاوز العلاقة الزوجية إن

    كانت زوجة، والعلاقة الأبوية إن كانت بنتاً، وقوامة الأخ إن كانت اختاً..

    وسقوط الحشمة. وانتهاك الحرمة.

    هذا عدا على أن عامة قوانين الانتخاب لا تشترط في المرشح إلا

    معرفة القراءة والكتابة ولا تشترط خلقا ولا دينا، ولا صلة..

    فكيف إذا تقدمت لهذا الكاسيات العاريات المائلات المميلات ووجدن

    من يؤيدهن في إبراز الانحراف والشذوذ والميل عن جادة الحق والصواب.

    فهل يقال إن الشريعة الإسلامية لا تمنع من ترشيح المرأة وانتخابها..


    الباب الرابع :

    فتاوى العلماء :


    فتوى وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت:

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصبحه ومن والاه، وبعد..

    فقد عرض على الهيئة العامة للفتوى والاستفسار المرسل.

    1962 (قانون الانتخاب) حول مساهمة المرأة في انتخاب أعضاء

    مجلس الأمة، وأحاطت الهيئة علماً بأن هناك تلازماً بين حق الانتخاب

    وحق الترشيح لعضوية مجلس الأمة، فكل من يملك حق الانتخاب يملك حق

    الترشيح، وذلك طبقاً للمادة (82) من الدستور، فيكون الاقتراح شاملاً للأمرين معاً.

    وقد أجابت الهيئة بما يلي:

    (1) إن طبيعة عملية الانتخاب تناسب ما عليه الرجال من قدرة وخبرة

    واستعداد فطري، ذلك أنها إسهام في عملية التولية للأمور العامة، واختيار

    من تناط بهم، ومزاولة ذلك تتطلب خبرة ومخالطة ومعرفة تامة بمن يعهد

    إليهم بهذه الأعباء الثقيلة، والمسئوليات الجسام.

    والرجال أقدر على ذلك وأولى بالنهوض بهذه المسئولية، ومن ثم فهم

    المنوط بهم تحمل المسئولية، وتحميلها أهلها، وبيان ذلك أن عملية الانتخاب

    يغلب عليها -من بين العناصر المختلفة المتداولة لتكييفها- أنها مشورة

    تتعلق بذات الشخص من حيث عدالته وكفايته (وليست كالمشورة التي

    تتعلق بالقيام بتصرف أو تركه).

    وهذا النوع من المشورة يسميه الفقهاء (التزكية) وهي من مستلزمات

    أهلية الشهادة، ونحوها من الولايات العامة، والصفات فيمن يقوم بالتزكية

    أقوى من الصفات المشترطة لأهلية الشهادة، وكلاهما من باب الولاية

    وفضلاً عما هو مقرر في شأن شهادة النساء تبعاً لمجالها، وعلاقة

    موضوعها بميدان النشاط الطبيعي للمرأة أو عدمها، فإنه ليس كل من

    تجوز شهادته تجوز تزكيته –كما يقول العتبي وابن رشد من كبار المالكية

    ولا ينبغي لأحد أن يزكي رجلاً إلا رجلاً قد خالطه في الأخذ والعطاء

    وسافر معه، ورافقه. (البيان والتحصيل لابن رشد (9/461) و (10/68)).

    أما صدور التزكية من النساء فيقول فيها الإمام مالك في المدونة (5/161)

    "لا تجوز تزكية النساء في وجه من الوجوه لا فيما تجوز فيه شهادتهن، ولا

    في غير ذلك، ولا يجوز للنساء أن يزكين النساء، ولا الرجال، وليس

    للنساء من التزكية قليل ولا كثير".

    ويقول إمام الحرمين: "إن مما نعلمه قطعاً أن النساء لا مدخل لهن في

    تخير الإمام وعقد الإمامة، والنساء لازمات خدورهن، مفوضات أمورهن

    إلى الرجال القوامين عليهن". (غياث الأمم 62).

    (2) إن عدم مشاركة النساء في الانتخاب هو أمر استقرت عليه السوابق

    طيلة العصور الإسلامية، ولا سيما القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها

    الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية، وذلك بمرأى ومسمع السلف الصالح

    من الأئمة والفقهاء، ولا يتصور تواطؤ تلك الأجيال المعروفة بالفضل والخير

    على تغيير حكم الشريعة، بحرمان المرأة حقاً من حقوقها..

    (3) وجود البدائل المشروعة التي يستغنى بها عما يراد تحصيله من

    مشاركة المرأة في الانتخاب، ذلك أن المرأة من خلال أمومتها ومشاركتها

    للرجل في الحياة الزوجية ونحو ذلك من الصلات الأسرية والعلاقات الاجتماعية

    والوظيفية تستطيع أن تؤدي دورها بطريق غير مباشر، لكنه سالم من

    المحاذير التي تلزم من مساهمتها (مباشرة) في الانتخاب، وهي تؤدي

    هذا الدور منذ وجدت، ولا تحتاج إلى أي مسوغ يمنحها هذا الحق، بل ليس

    في مقدور أحد أن يمنعها منه، لأنه حق طبيعي وشرعي تستطيع مزاولته

    دون أي إخلال بما نيط بها من مسئوليات أخرى، أو إهمال لما خصها به

    الشرع من صيانة ورعاية من خلال التشريعات التي شرعها للنساء، فدورها

    في المشورة الحسنة، والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم هو

    واجب إسلامي يشملها كما يشمل الرجل تماماً، وهي تؤدي هذه المهنة الجليلة

    من خلال أسرتها ومجتمعها، ولا سيما من خلال ممارسة التعليم والتطبيب

    ونحوهما مما يتفق مع طبيعتها، فضلاً عن وسائل الإعلام المتاحة

    دون أي محذور شرعي.

    (4) لو عهد بهذه المهمة إلى النساء (أيضاً) لأدى ذلك غالباً إلى التفريط في

    الواجبات والتكاليف الشرعية الأخرى ومن هنا اقتضت الحكمة صيانة النساء

    عما يؤدي بهن إلى الوقوع في المشكلات التي يغلب وجودها في المعارك

    الانتخابية، وليس هذا انتقاما للمرأة، أو إغفالاً لدورها المتميز.

    (5) التجربة المشهودة في البيئات المختلفة أكدت أن فتح مثل هذه الأبواب

    التي تخالف ما جاءت به القواعد العامة من الشريعة يستتبع تجاوزات أخرى

    أكثر خطورة، ويستلزم تغييراً صريحاً لأحكام الشريعة المنصوص عليها

    كالميراث، والشهادة، والقوامة، وفي هذا ما فيه من الاضطراب والإخلال

    بالتأهيل الفطري لكل من الجنسين لما أعدهما الله له في حياتهما

    الاجتماعية المشتركة.

    (6) إن إعطاء المرأة (بتعديل القانون) حق الانتخاب يستلزم حصولها تلقائيا

    -بمقتضى الدستور- على حق الترشيح لعضوية مجلس الأمة، وهذا الترشيح

    بالنسبة للمرأة في حيز المنع شرعاً، للأدلة التالية (وهي كلها في ظل

    هذا التلازم بين الانتخاب والترشيح تعتبر أدلة إضافية على منع

    مساهمة المرأة في الانتخاب).

    (7) إن الشريعة الإسلامية في تطبيقها قد قصرت الولاية العامة على الرجال

    إذا توافرت فيهم شروط معينة، وهو ما عليه الفقه العملي للمسلمين منذ

    عهد النبوة إلى الآن مع توافر الدواعي على اشتراك النساء في تلك الولايات

    لولا ما استقر في منع ذلك، ولا يخفى أن عضوية مجلس الأمة ولاية عامة لما

    فيها من سن القوانين، ومحاسبة السلطة التنفيذية، وما إلى ذلك من المهام

    المعروفة بالسلطة التشريعية.

    (8) عدم مطالبة المرأة بالاشتراك في شيء من الولايات العامة طيلة

    العهود الإسلامية الفاضلة، ولو كان ذلك حقاً لطالبت به النساء، بل

    لبادر المسلمون (ولا سيما أئمتهم في العلم أو الحكم) إلى إعطاء هذا

    الحق لهن، أو تمكينهن منه بتقرير ضمن الأحكام العامة.

    (9) الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وأحمد والنسائي والترمذي

    أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن الفرس ملكوا ابن كسرى قال:

    [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] والمقصود من الحديث -كما قال الشراح-

    النهي عن مجاراة غير المسلمين في تولية المرأة شيئاً من الولايات العامة.

    الحديث وإن ورد في سبب خاص فإن العبرة في عموم اللفظ لا بخصوص السبب

    كما قال علماء أصول الفقه.

    (10) مع أن الأصل في الشريعة الإسلامية التسوية بين الرجال والنساء

    في التكاليف والأهلية والتصرفات، فإنها خصت كلا من الرجال والنساء

    بأحكام معروفة، عرف منها ومن قواعد الشريعة العامة بحسب الاستقراء

    في التطبيقات، أن كل ما كان قائماً على الاجتماع والظهور والمخالطة

    ولم تدع إليه ضرورة أو حاجة عامة غالبة فإنه يختص به الرجال، كأصل

    فريضة الجهاد، وإيجاب حضور الجمع والجماعات.. الخ، فلم توجب الشريعة

    على النساء شيئاً من ذلك بل خصتهن بواجبات شرعية وأمور أخرى

    أولى بطبيعتهن، ومن كل ما ميادينه الأسرة أو النطاق الخاص بالنساء.

    أما بيعة النساء التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى:

    {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله
    شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه
    بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر
    لهن الله إن الله غفور رحيم} (الممتحنة:12).

    فإن مضمون هذه البيعة يدور حول التزام النسوة بالطاعة، والمعروف

    واجتناب المنكرات والمعاصي، وليس في بنود البيعة شيء من مقتضى

    الولاية العامة، بدليل ما تميزت به بيعة الرجال من المعاقدة على الجهاد

    وعدم منازعة الأمر أهله ففيها: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

    على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله.

    وكذلك ما حصل من مشاركة بعض النساء

    في بيعة العقبة (دون قصد لتلك المشاركة) لأن تلك البيعة في حقيقتها

    معاقدة على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم لإبلاغ الدعوة فهو عبارة

    عن عهد جوار وأمان، والمرأة من أهل إعطاء الأمان، وإجارة المستجير

    من خلال الروابط المختلفة؛ وطبقا لهذا جاءت القاعدة المقررة

    بشأن وحدة المسلمين وأمانهم.

    وما وقع كذلك من أمثلة نادرة في التاريخ الإسلامي مع استنكار العلماء لها

    لا تخفى ظروفها من التغلب ومضاعفاتها الخاصة والعامة، على أن هذه

    الوقائع لا تصلح للاحتجاج ولا للاستئناس؛ لأنها لم يستأمر فيها

    حكم الشرع، وهو الحال في بعض ما هو قائم الآن في البيئات الأخرى

    من تطبيقات سواء كانت في الترشيح، أو الانتخاب في المجالات العامة

    لم يؤخذ الرأي الشرعي كذلك في التطبيقات الخاصة ببعض المجالات

    الاقتصادية كالجمعيات التعاونية، أو المجالات الطلابية

    (مما هو في أصل طبيعته خاص بشئون تجارية أو دراسية مباشرة)

    على أن تلك التطبيقات الخاصة لا تخرج في طبيعتها عن التوكيل

    (بشيء من القيود الملائمة لظروف النشاط الاقتصادي الجماعي، أو

    الأحوال الغالبة من شئون الطلبة) وشتان بين ممارسة الولاية العامة، أو

    القيام بمهمة الانتخاب التي هي اختيار لمن يتولاها، وبين التوكيل

    في هذه المصالح الخاصة مما يسهل بعيداً عن المحاذير القائمة في سواء.

    ولما كان من المقرر أنه في غيبة النصوص الخاصة من الكتاب والسنة

    يشار إلى النصوص العامة أو الخاصة بموضوعات مشابهة في المعنى

    وهو ما سبق بيانه من الأدلة فضلاً عن القواعد العامة للشريعة ومراعاة

    مقتضيات الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء مما رده إلى النصوص القطعية.

    فلهذه الأدلة سواء ما كان منها مباشراً على منع المساهمة في الانتخاب

    ذاته، أو كان دليلاً على منع الترشيح المتلازم معه، ترى الهيئة العامة للفتوى

    عدم مساهمة المرأة في الانتخاب، وبقاء الأمر على ما هو عليه، والله أعلم

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. انتهى.

    فتوى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:

    قالت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف: أما الولايات العامة -ومن أهمها

    مهمة عضو البرلمان وهي سن القوانين والهيمنة على تنفيذها- فقد

    قصرتها الشريعة الإسلامية على الرجال إذا توافرت فيهم شروط معينة.

    وقد جرى التطبيق العملي على هذا من فجر الإسلام إلى الآن.

    فإنه لم يثبت أن شيئاً من هذه الولايات العامة قد أسند إلى المرأة، لا

    مستقلة ولا مع غيرها من الرجال، وقد كان في نساء الصدر الأول

    مثقفات فضليات، وفيهن من تفضل كثيراً من الرجال كأمهات المؤمنين.

    ومع أن الدواعي لاشتراك النساء مع الرجال في الشئون العامة كانت

    متوافرة لم تطلب المرأة أن تشترك في شيء من تلك الولايات ولم يطلب

    منها الاشتراك ولو كان لذلك مسوغ من كتاب أو سنة لما أهملت

    مراعاته من جانب الرجال والنساء باطراد.

    هذه قصة سقيفة بني ساعدة في اختيار الخليفة بعد

    الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ فيه الخلاف أشده، ثم استقر

    الأمر لأبي بكر، وبويع بعد ذلك البيعة العامة في المسجد، ولم تشترك

    امرأة مع الرجال في مداولة الرأي في السقيفة، ولم تدع لذلك، كما

    أنها لم تدع ولم تشترك في تلك البيعة العامة.

    وكم من اجتماعات شورية من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

    ومن الخلفاء وإخوانهم في شئون عامة لم تدع إليها المرأة، ولم تشترك فيها.

    ثم قالوا بعد ذكر أدلة الحكم السابق: ومن هنا تقرر لجنة الفتوى، أن

    الشريعة الإسلامية تمنع المرأة -كما جاء في الحديث الشريف-

    أن تلي شيئاً من هذه الولايات، وفي مقدمتها ولاية سن القوانين

    التي هي مهمة أعضاء البرلمان.

    هذا - وليس من الولايات العامة التي تمنع منها المرأة ما يعهد به إلى النساء

    من الوظائف والأعمال كالتدريس للبنات، وعمل الطبيبة، والممرضة في

    علاج المرضى من النساء وتمريضهن، فإن هذه الأعمال وما شابهها ليس

    فيها معنى الولاية، الذي هو سلطان الحكم، وقوة الإلزام.

    ثم قالت لجنة الفتوى بالأزهر:

    أما الأمر الثاني وهو اشتراكها في انتخاب من يكون عضوا به فاللجنة ترى أنه

    باب تريد المرأة أن تنفذ منه إلى تلك الولاية العامة التي حظرتها عليها الشريعة.

    ذلك ان من يثبت له حق الاشتراك في الانتخابات فإنه يثبت له حق ترشيح

    نفسه لعضوية البرلمان متى توافرت فيه الشروط القانونية لهذه العضوية.

    وبعيد أن ينشأ للمرأة قانون يبيح لها الاشتراك في التصويت ثم

    يمنعها -لأنوثتها- من ترشيح نفسها للعضوية وهي التي لا تقتنع بأن

    الأنوثة تمنعها من شيء ولا ترضى إلا بأن تكون مساوية للرجل في كل شيء.

    وإذا لا يصح أن يفتح لها باب التصويت عملا بالمبدأ المقرر في الشريعة والقانون:

    أن وسيلة الشيء تأخذ حكمه.

    فالشيء الممنوع بسبب ما يلازمه أو يترتب عليه من ضرر أو مفسدة

    تكون الوسيلة إليه ممنوعة لهذا السبب نفسه، فإنه لا يسوغ في عقل ولا شرع

    أن يمنع شيء لما يترتب عليه أو يلازمه من مضار ويسمح في الوقت نفسه

    بالوسائل التي يعلم أنها تتخذ طريقا إليه.

    وبهذا يتبين أن حكم الشريعة المرأة في انتخاب عضو البرلمان كحكمها

    في اختيارها لتكون عضوا فيه. كلاهما ممنوع.

    هذا - ويتبين للقارئ مما قدمنا أن الحكم في المسألة بشقيها على هذا الوجه

    لم ينظر فيه إلى شيء آخر وراء طبيعة هذين الأمرين.

    أما إذا نظرنا إلى ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح

    لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير فيه إلى نهايته.

    فإننا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات

    وما إلى ذلك مما تتعرض المرأة فيه لأنواع الشر والأذى، ويتعرض لها

    فيه أرباب القلوب المريضة الذين ترتاح أهواؤهم وتطمئن أنفسهم لمثل

    هذا الاختلاط بين الرجال والنساء.

    فهذه مواقف لا ينبغي للمرأة أن تزج بنفسها في معتركها غير المأمون

    ويجب عليها أن تنأى بنفسها عنها حفظاً لكرامتها وصونا لسمعتها.

    وهذا واقع لا ينبغي إغفاله أو التغافل عنه، ويجب تقدير الأمور

    وتقرير الأحكام على أساسه، وقد تكفي هذه الإشارة في التنبيه

    إلى مضار الاختلاط في اجتماعات الرجال بالنساء.

    وآيات من الكتاب العزيز ترسم لنا الطرق الصالحة في التربية الاجتماعية

    والتهذيب الخلقي والأدب الديني الصحيح فعلينا أن نعتبر بها ونقيس بتعاليمها

    ما هو واقع في اجتماعاتنا لنعرف مدى قربنا أو بعدنا من هذه التعاليم:

    قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين
    عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيماً}
    (الأحزاب:59).

    وقال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك
    أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من
    أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن
    بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء
    بعولتهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن
    أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال
    أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم
    ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}
    (النور:30-31).

    رمضان سنة 1371

    يوليو سنة 1952

    رئيس لجنة الفتوى: محمد عبدالفتاح العناني

    ---------------------------------------


    قال الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد -حفظه الله-:

    فالقوامة والرياسة تكون للرجال عن النساء والمعروف أن البرلمان له

    ولاية على الوزراء ويمكنه إسقاط الحكومات فهل تتولاه النساء

    وهن للرجال مرؤوسات؟

    وقد شبههن الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسيرات في قوله:

    [أنهن عوان بينكم]، ولقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه

    في كثير من الأمور ولم يثبت أن أشرك في هذه المشاورات مع كثرتها

    امرأة واحدة قط لإبداء رأيها.

    ولقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم إمارة المدينة

    حينا توجه للحرب وكان ابن أم مكتوم رجلاً أمياً، ومع ذلك لم يول

    الرسول وقتذاك واحدة من النساء مع وجود أمهات المؤمنين

    ونساء الصحابة الفضليات.

    فلو كان لهن حق الولاية أو النيابة لكانت عائشة أولى من ابن أم مكتوم.

    (حقوق المرأة في الإسلام ص42).

    سئل الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية رحمه الله سنة 1952م

    عن حكم ترشيح المرأة نفسها ودخولها مجالس النواب أو الشيوخ

    أو الشورى ونحو ذلك فأجاب فضيلته :

    بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله .

    عُني الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل

    في بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم ، وفي

    حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين ، فرفع شأنها وكوَّن شخصيتها

    وقرر حريتها ، وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة ، ثم ناط بها من

    شؤون الحياة ما تهيئها لها طبيعة الأنوثة وما تحسنه ؛ حتى إذا نهضت

    بأعبائها كانت زوجة صالحة ، وأماً مربية ، وربة منزل مدبرة ، وكانت

    دعامة قوية في بناء الأسرة والمجتمع .

    وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها

    بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة ، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث

    والعدوان ، وباعد بينها وبين مظانِّ الريْب وبواعث الافتتان ؛ فحرم على

    الرجل الأجنبي الخلوة بها والنظرة العارمة إليها ، وحرم عليها أن تبدي

    زينتها إلا ما ظهر منها ، وأن تخالط الرجال في مجامعهم ، وأن

    تتشبه بهم فيما هو من خواص شؤونهم ، وأعفاها من وجوب

    صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص

    على اجتماع المسلمين وتواصلهم ، وأعفاها في الحج من التجرد للإحرام

    ومنعها الإسلام من الأذان العام ، وإمامة الرجال للصلاة ، والإمامة

    العامة للمسلمين ، وولاية القضاء بين الناس ، وأثَّم من يوليها ، بل حكم

    ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة ، ومنع المرأة من

    ولاية الحروب وقيادة الجيوش ، ولم يبح لها من معونة الجيش

    إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها .

    كل ذلك لخيرها وصونها وسد ذرائع الفتنة عنها والافتنان بها حذراً

    من أن يحيق بالمجتمع ما يفضي إلى انحلاله وانهيار بنائه ؛ والله أعلم

    بما للطبائع البشرية من سلطان ودوافع ، وبما للنفوس من ميول ونوازع

    والناس يعلمون والحوادث تصدق .

    ولقد بلغ من أمر الحيطة للمرأة أن أمر الله تعالى

    نساء نبيه صلى الله عليه وسلم بالحجاب وهن أمهات المؤمنين حرمةً واحتراماً

    وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تمس يده ( وهو المعصوم ) أيدي النساء

    اللاتي بايعنه ، وأن المرأة لم تُوَلَّ ولاية من الولايات الإسلامية في عهده

    ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا في عهود من بعدهم من الملوك والأمراء

    ولا حضرت مجالس تشاوره صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من

    المهاجرين والأنصار ؛ ذلك شأن المرأة في الإسلام ومبلغ تحصينها

    بالوسائل الواقية فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار ، وتقتحم

    على الرجال قاعة البرلمان فتزاحم في الانتخاب والدعاية والجلسات

    واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب

    والدفع ، وما إلى ذلك مما هو أكبر إثماً وأعظم خطراً من ولاية القضاء

    بين خصمين وقد حرمت عليها ؟ !

    واتفق أئمة المسلمين على تأثيم من يوليها تاركة زوجة وأطفالها وبيتها

    وديعة في يد من لا يرحم ، إن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام ، بل

    ولا الأكثرية الساحقة من النساء ؛ اللهم إلا من يدفعه تملُّق المرأة أو الخوف

    من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء ، ولا

    حسبان في ميزان الحق لهؤلاء .

    على المسلمين عامة أن يتعرفوا حكم الإسلام فيما يعتزمون الإقدام عليه

    من عمل ؛ فهو مقطع الحق وفصل الخطاب ، ولا خفاء في أن دخول المرأة

    في معمعة الانتخاب والنيابة غير جائز لما بيناه .

    وإننا ننتظر من السيدات الفضليات أن يعملن بجد وصدق لرفعة شأن المرأة

    من النواحي الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية الصحيحة في حدود

    طبيعة الأنوثة والتعاليم الإسلامية قبل أن يحرصن على خوض غمار

    الانتخاب والنيابة ، وأن نسمع منهن صيحة مدوية للدعوة إلى وجوب

    تمسك النساء عامة بأهداب الدين والفضيلة في الأزياء والمظاهر

    والاجتماعات النسائية وغير ذلك مما هو كمال وجمال للمرأة المهذبة الفاضلة .

    ولهن منا جميعاً إذا فعلن ذلك خالص الشكر وعظيم الإجلال .

    ذلك خير لهن والله يوفقهن لما فيه الخير والصلاح .

    قال الشيخ أبو الأعلى المودودي: في

    قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة}

    فالدرجة هي القوامة وهي ليست مقصورة على الحياة العائلية

    لأن قوامة الدولة أخطر شأنا من قوامة البيت ولأن النص القرآني

    لم يقيد هذه القوامة بالبيوت. (نظرية الإسلام وهديه ص319).

    وقال المودودي أيضاً: إن قوامة الرجال على النساء لا تقتصر

    على البيوت بدليل أنه لم يذكر البيوت في الآية، فهي إذن قوامة عامة

    على سائر البيوت كذلك، ثم إذا جعل الله قوامة على المرأة المفردة

    في بيتها فهل يظن بالله أن يجعل للمرأة قوامة على ملايين في حين

    أنه لم يجعلها لها على بيت هو بيتها. (تدوين الدستور الإسلامي 87-88).

    ويقول المودودي أيضاً: هل يعود الضمير في الآية {وأمرهم شورى بينهم}

    إلى الرجال وحدهم دون النساء؟

    ألا يمكن أن يكون هذا الحكم شاملاً للنساء مع الرجال؟

    الجواب: إن القرآن لا يعارض بعضه بعضاً، ولا

    تخالف آية منه آية أخرى بل هي تشرحها.

    فالقرآن الذي قيل فيه {وأمرهم شورى بينهم} جاء فيه

    نفسه {الرجال قوامون على النساء}

    وهكذا أوصد القرآن على النساء باب مجلس الشورى، وهو قوام على الأمة كلها.

    ومع ذلك لا يزال ما جرى عليه العمل في عهدي النبوة والخلافة الراشدة

    مائلاً لدينا وهو أوثق وسيلة لمعرفة لكيف نفهم وجهة القرآن، فلا نجد

    في كتب التاريخ ولا الحديث مثالا يشهد بأن النبي صلى الله عليه وسلم

    أو أحد الخلفاء الراشدين أشرك النساء في مجلس الشورى.

    (تدوين الدستور الإسلامي).

    وقال المودودي أيضاً في مقال طويل:

    قوله تعالى {الرجال قوامون على النساء}

    وقول الرسول صلى الله عليه وسلم [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] (رواه البخاري).

    هذان النصان يقطعان بأن المناصب الرئيسية في الدولة -رئاسة كانت

    أو وزارة أو عضوية في مجلس شورى أو إدارة مختلف مصالح الحكومة-

    لا تفوض إلى النساء.

    وبناء على ذلك مما يخالف النصوص الصريحة أن تنزل النساء تلك

    المنزلة في دستور الدولة الإسلامية، أو أن يترك فيه مجال لذلك، وارتكاب

    تلك المخالفة لا يجوز البتة لدولة قد رضيت لنفسها التقيد بإطاعة الله ورسوله.

    وهنا يسأل المعترضون:

    ما هي المبادئ الإسلامية التي تمنع عضوية النساء لمجلس الشورى؟

    وما هي أحكام القرآن والسنة التي تخص الرجال وحدهم بعضوية هذه المجالس؟

    وقبل أن نجيبهم على هذا السؤال، يلزمنا أن نبين حقيقة تلك المجالس

    التي قد جرى الكلام في استحقاق المرأة لعضويتها.

    إن تسمية هذه المجالس للتشريعية مما يوهم الناس

    أن وظيفتها سن القوانين فحسب.

    والمرء إذا توهم هذا الوهم الخاطئ ورأى أنه كانت النساء أيضاً في

    عهد الصحابة رضوان الله عليهم يتكلمن في مسائل القانون ويبحثن

    ويبدين آرائهن فيها ، وكثيراً ما كان الخلفاء أنفسهم يستشيرونهن

    ويعتدون بهن، استغرب أن تحرم النساء اليوم من عضوية مثل تلك

    المجالس بحجة المبادئ الإسلامية.

    والحقيقة أن المجالس التي تدعى بمثل هذا الاسم في عصرنا هذا، ليست

    وظيفتها مجرد التشريع وسن القوانين، بل هي بالفعل تسير دفة السياسة

    في الدولة، فهي التي تؤلف الوزارات وتحلها؛ وتضع خطة الإدارة، وهي

    التي تقضي في أمور المال والاقتصاد، وبيدها تكون أزمة أمور الحرب والسلم.

    وبذلك كله لا تقوم هذه المجالس مقام الفقيه والمفتي، بل

    تقوم مقال (القوام) لجميع الدولة.

    هنا يجمل بنا أن نرجع إلى القرآن وننظر من ينزله هذه المنزلة في

    حياة الجماعة ومن لا ينزله، وهذا قول الله تعالى في سورة النساء:

    {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما
    أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}
    (النساء:34).

    فأنت ترى أن الله تعالى يؤتي فيه الرجال مقام (القوام) بكلمات صريحة

    ويبين للنساء الصالحات مزيتين اثنتين:

    أولهما: أن يكن مطيعات

    والأخرى: أن يكن حافظات لما يريد الله تعالى أن يحفظه في غيبة أزاوجهن.

    وقد يقول المعترض في هذا المقام: إن هذا الحكم إنما يتعلق بالحياة

    العائلية، لا بسياسة الدولة. فنقول: إن القرآن لم يقيد قوامية الرجال على

    النساء بالبيوت، ولم يأت بكلمة (في البيوت) في الآية، مما لا يمكن

    بدونه أن يحصر الحكم في دائرة الحياة العائلية.

    ثم هبنا نقبل منكم هذا القول، فنسألكم: آلتي لم يجعلها الله تعالى

    قواما في البيت بل قد وضعها في موضع القنوت إلى منزلة القوامة

    على جميع البيوت، أي على جميع الدولة؟

    أمن شك في أن قوامة الدولة أخطر شأنا وأكثر مسئولية من قوامية البيت؟

    فهل أنتم تظنون بالله أنه يجعل قواما داخل بيتها.

    ثم ارجع البصر في القرآن، إنه يحدد دائرة أعمال المرأة بهذه

    الكلمات الصريحة {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}

    وعسى أن يعود المعترض فيقول: هذا الأمر إنما أمرت به

    نساء النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نسأله: هل كان

    بنساء النبي صلى الله عليه وسلم عجز دون سائر النساء

    لا يدعهن يقمن بالأمور خارج البيت.

    وهل تفوقهن سائر النساء بفضل في هذه الناحية؟

    وإذا كانت جميع آيات القرآن بهذا الصدد مختصة

    بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فهل أذن الله لسائر المسلمات

    أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يكلمن الرجال ويخضعن لهم

    بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض؟

    وهل يرضى الله تعالى أن يكون في بيت كل مسلم

    غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم مدنسا بالرجس؟

    ثم هيا بنا إلى الحديث. وهنا نجد هذه الأقوال الواضحة

    للنبي صلى الله عليه وسلم: [إذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم
    بخلاؤكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير من ظهرها] (رواه الترمذي).

    وعن أبي بكرة لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن

    أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى، قال:

    [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] (رواه البخاري وأحمد والنسائي والترمذي).

    هذان الحديثان جاء كلاهما يفسر

    قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء}

    تفسيراً سديدا يصيب المحز ويطبق المفصل، ويتجلى منهما أن

    السياسة والحكم خارجان عن دائرة أعمال المرأة.

    وأما السؤال: ما هي إذن دائرة أعمال المرأة؟

    فتجيب عنه هذه الأقوال الكريمة للنبي صلى الله عليه وسلم بالصراحة

    والوضوح: [والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم]
    (رواه أبو داود).

    وهذا هو التفسير الصحيح للآية {وقرن في بيوتكن}

    وتفسرها بعد ذلك هذه الأحاديث التي جاءت تعفي المرأة من

    معالجة ما هو دون السياسة والحكم والأمور والواجبات خارج البيت:

    [الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك

    أو امرأة أو صبي أو مريض] (رواه أبو داود).

    وعن أم عطية قالت: نهينا عن اتباع الجنائز (رواه البخاري).

    هذا وإن كانت عندنا دلائل عقلية قوية تعزز نظريتنا هذه، ونحن

    مستعدون لعرضها على من يتحدانا فيها، إلا أننا نضرب صفحاً عنها

    في هذا المقام، لأنه لم يسألنا سائل عنها، ولأننا لا نقبل من مسلم

    بعد أن بلغته أحكام الله ورسوله واضحة بينة أن يطلب الدلائل العقلية

    قبل أن يبعها أو يشترط تلك الدلائل لأجل اتباعه إياها.

    وذلك أن المسلم إن كان صادقا في إسلامه يجب عليه أن يتبع

    قبل كل شيء ما أمر به.

    ثم له بعد ذلك أن يطلب الأدلة العقلية، حتى تطمئن نفسه.

    أما من يقول: ما كنت لأتبع ما أمر به الله.

    هذا الشعار الذي رفعه دعاة تولية المرأة ( الحقوق السياسية للمرأة )

    مصطلح غير منضبط شرعاً ، فلا نسلم به

    والصواب ( المرأة والولاية العامة ) ، لأن هذا المصطلح يوهم

    وقوع الأمة في قصور في حقوق المرأة ، ولأنه منذ بزوغ فجر الإسلام

    وإلى وقت قريب لم يسند أحد شيئاً من الولايات العامة للمرأة ، فلا

    يجوز تأثيم الأمة واتهامها بالقصور في حق المرأة .

    * الشيخ ناظم المسباح .

    وبعد هذا العرض ، يجب على المكلف أن يقف وقفة تأمل وتجرد

    مع نصوص الكتاب والسنة ، حتى يصل إلى حكم الله تعالى

    ورسوله صلى الله عليه وسلم في الموضوع ، وعليه كذلك

    أن يسأل أهل العلم الراسخين المشهود لهم بالتدين والاستقامة

    قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا
    أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML