المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : *:*:* التصوير الفني في القرآن *:* 2 *:*:*



ضيف المهاجر
28 - 04 - 2003, 02:06
التصوير الفني في مراحل وأطوار الحياة الدنيا …

يريد الله ان يصور للناس قصر هذه الحياة الدنيا التي تلهيهم عن الآخرة فيخرج لهم القصر في هذه الصورة
(( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ، كماء أنزلناه من السماء ، فاختلط به نبات الأرض ، فأصبح هشيما تذروه الرياح ))
وانتهى شريط الحياة كله في هذه الجمل القصار، وفي هذه المشاهد الثلاثة المتتابعة:
(( ماء انزلناه من السماء)) فـ (( اختلط به نبات الأرض)) فـ (( اصبح هشيما تذروه الرياح ))
ألا ما اقصرها حياة‍
ومع ذلك فقد عرض أطوار النبات كلها لم ينقص منها شيئا إلا الاطوار الثانوية ، عرض الماء الذي يسبقه ، ويختلط بالارض فتنبته ، وعرض ن نضجه ، وعرض تذريته. فماذا بقي من حياة النبات إلا الأطوار الثانوية؟
لقد اجتمعت لهذا التعبير كل عناصر الصدق والدقة والجمال: الصدق في عرض أطوار النبات، فلم ينقص شيئا منها لتحقيق الغرض الديني ، والدقة لأنه حقق غرض الصورة كاملا، والجمال لأن سرعتها خاطفة مما ينشط له الخيال.
وقد استخدم النسق اللفظي في تقصير عرض المشهد كما استخدمت وسائل العرض الفنية لهذا الغرض. فهذا التعقيب الذي تمثله هذه (الفاء) في تتابع المراحل يتفق مع طريقة العرض السريعة. ثم هذا الماء النازل لا تختلط به الارض فتنبت بل يختلط به نبات الارض مباشرة ، وهذه حقيقة ، ولكنها حقيقة تعرض في الوضع الخاص الذي يحقق السرعة المطلوبة.

ومثل هذا النص نص اخر في المعنى والاتجاه ولكنه يختلف في حلقة منه ليؤدي غرضا اخر مع الغرض السابق:
(( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ، ولهو ، وزينة ، وتفاخر بينكم ، وتكاثر في الأموال والأولاد ، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ، ثم يهيج فتراه مصفرا ، ثم يكون حطاما ))

فالصورة المعروضة لقصر الحياة متحدة تقريبا مع الصورة الأولى ، ولعل عذل يخيل للبعض تكرارا كاملا ، ولكن الواقع أن هناك إختلافا دقيقا ، إنه أطال عرض شريط الحياة الدنيا – كما يراه الكفار – فهي لعب ، ولهو ، وزينة وتفاخر بينكم ، وتكاثر في الأموال والأولاد ، ليقول : ان هذا الذي تعجبون به كله ، وهذا الذي تستطيلون أمده ، إنما هو حقيقته قصير زائل كذلك الغيث الذي يعجب الكفار نباته ، ثم يهيج فتراه مصفرا ، ثم يكون حطاما.
وذلك من دقائق 0الصور المكررة في القرآن وفي كل تكرار صورة تختلف اختلافا يسيرا أو كبيرا ، وتنفي وهم التكرار بلا قصد إلا التكرار ، وإن يكن للتكرار غرضه في صدد الدعوة ولكنه مع هذا يسير مع الجمال الفني بالتنويع الملحوظ.

مثال آخر
في المثالين السابقين كان الإختصار بحذف المراحل الثانوية. فهذا مثال آخر يعرض قصر الحياة على النحو نفسه ، مع زيادة الأختصار ، فيمسك بطرفي الحياة ويجمعهما في ومضة خاطفة ولكنه في الوقت ذاته يخيل هيئة الطول فيما بين الطرفين:
(( ألهاكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر ))
فهذه الصورة : من جانب تصور قصر الحياة فما كادت تبدأ بالتكاثر ، حتى انتهت بالمقابر – وذلك أقصر ما تصور به فترة الحياة ، في اللفظ والخيال – ولكنها من طرف خفي ، قد عرضت امتداد اللهو طول الحياة من مبدئها إلى منتهاها ، وساعدت كلمة (حتى) على بروز الامتداد ، فخيلت للنفس أن هؤلاء القوم لجوا في اللهو أمدا طويلا . وذلك من عجائب التخييل ، فغرض قصر الحياة ، وغرض طول اللهو فيها ، كلاهما مقصود من التعبير ، وكلاهما تحقق في هذا النص القصير.

مثال آخر
(( كيف تكفرون بالله ، وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ، ثم يحييكم ، ثم إليه ترجعون ))

ففي أربع مقاطع قصيرة لفقرة واحدة ، عرض قصة الخلق من قبل ظهورها بمرحلة ، إلى بعد انتهائها بمرحلة ، الموت الذي سبق الحياة ، فالحياة ، فالموت الذي تختتم به الحياة ، فالحياة بعد الوفاة.
والموت الذي سبق الحياة آزال ، والحياة التي تلته آماد ، والموت الذي يعقبها آباد .. تنطوي جميعا في ألفاظ ، ليعرض جانب السرعة ولكن يمتد بها الخيال في الاستعراض ، ليقول : إن هذه الآماد الطويلة كلها قصيرة في يد القوة الكبرى.
إنه هنا يصور القدرة القادرة التي تقول للشيء ( كن فيكون ) والسرعة مما يزيد وضوح القدرة ، ولا سيما إذا طوت هذه الآماد المتطاولة في غمضة عين ، فكيف تكفرون بالله إذن ، وهو الذي يملك أموركم كلها من قبل ومن بعد ((ثم إليه ترجعون))
وتكملة لهذه السرعة تأتي الآية التالية:
(( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ، ثم استوى إلى السماء ، فسواهن سبع سماوات ))
هكذا في ومضه (خلق لكم ما في الأرض جميعا) وفي ومضه (استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات) وخلق ما في الارض أو شيء مما خلق في الارض يستغرق في مواضيع آيات طوالا ، حينما يريد التفصيل والتطويل.

مثال آخر يأتي القصر فيه من لمسات الريشة السريعة العنيفة اللمسات ، هذه الريشة المعجزة التي تخط لمسة هنا ولمسة هناك ، ثم تطوي اللوحة كلها ، كأنها ما عرضت قط .فما يكاد الخيال يتلفت ليراها حتى يفقدها فلا يلقاها:
(( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ، فتخطفه الطير ، أو تهوي به الريح في مكان سحيق ))
انظر: لقد خر من السماء ، انظر: لقد خطفته الطير ، انظر : لقد هوت به الريح في مكان سحيق ، انظر : لقد اختفى المسرح ومن فيه.
ولم هذه السرعة الخاطفة ؟ لئلا يتوهم أحد أن لم يشرك بالله منبتا أو وجودا أو قرارا أو امتدادا مهما يبلغ من الحسب والقوة والجاه والبنين ان يأتي في ومضة من المجهول لذهب في ومضة من المجهول ……

فسبحان الله البديع ذي الجلال والإكرام

الإمبراطور
28 - 04 - 2003, 16:58
أخي ضيف المهاجر ....

الله يجعل الخير بدربك وممشاك والجنه مقرك ومثواك .

تحياتي لك

عمار النقيب
29 - 04 - 2003, 10:51
كاتب الرسالة الأصلية الإمبراطور
أخي ضيف المهاجر ....

الله يجعل الخير بدربك وممشاك والجنه مقرك ومثواك .

تحياتي لك
اللهم أمين

سهد الليل
30 - 04 - 2003, 00:45
ضيف المهاجر

باركك الله

عاشق السمراء
30 - 04 - 2003, 01:20
جزيت خيرا اخي المهاجر !!

شرح له معنى !!

حـــور
01 - 05 - 2003, 03:30
بارك الله فيك
و جزاك الف خير
و نحن بأنتظار المزيد و شكرا لك