المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هيفا وأخوتها



جار القمر
19 - 01 - 2012, 09:19
إنّ الغناءَ أولُ ما ينهارُ حين يُصابُ المجتمعُ بالتدهور / ابن خلدون

وليس بعيداً عن ابن خلدون فقد سُئلتْ هيفاء وهبي : إذا جاءكِ بابا نويل ليلة الميلاد فماذا تطلبين منه ؟
أجابتْ : سعرُه بسعرِ غيره ، خمسة آلاف دولار!
هذا ما يسميه دعاة الإصلاحِ الإداريّ بتكافؤ الفرصِ ، وما أسميه أنا تقدمة الخدمة إلى المستهلكِ بسعر الكلفة ، فإذا ما أخذنا بالحسبان تكلفة عمليات الشفطِ ، والشّد ، والنفخ ، فسيبدو السعرُ معقولاً وإن ساوى أربعة أضعاف راتب مدرّسٍ قضى شهره يتنطط ُأمام تلاميذه كالقرد ِمحاولاً إقناعهم أنّ العلمَ مقروناً بالايمان بإمكانهما تعديل الكفة الآخذة في الإنحدارِ يوماً بعد آخر !

أو سبعة أضعاف راتب ممرضٍ يبقى طوال الليل ساهراً في غرفة العناية الفائقة وعيناه مسمرتان على جهازٍ يشي بدقات قلبِ عجوزٍ لا يعرفُ أولادها كيف يتدبرون أمر فاتورة تزداد تضخماً بانتظار أن يستعيدَ القلبُ سيرته الأولى مع الخفقان !

أو أحد عشر ضعفَ راتبِ عاملِ تنظيفات ينهضُ قبلَ جهجهة الضوءِ ليمحوَ عن الأرصفةِ إثمَ الساهرين وزجاجاتهم الفارغة !

وعوداً على ذي بدءْ أجدني متعصباً لرأي ابن خلدون لا لأنه حين وضعَ علمَ الإجتماع ، وأصّل أصوله ، وبنّدَ فروعه ، كان أمام إيميل دوركايم مؤسس علمِ الإجتماع الأوروبي خمسة قرونٍ ليولدَ ، ويبدأ بتغير حفاضاته ، ثم يكبر ويجترَّ كثيراً مما قاله ابن حلدون . بل لأني لم اعهد الرجلُ إلا صادقاً . ففي وطنٍ عربي مترامي الأطراف على امتدادِ قارتين وعمقهما يقضي الطيّبُ صالح عاماً كاملاً يتأملُ انتفاخَ صدرِ النيلِ ثم يُخرج لنا من رحمِ هذا الإنتفاخِ موسمَ الهجرةِ إلى الشّمال ليموتَ الرجلُ بعدها وهو اقلّ شهرةً من شعبان عبد الرحيم !

مُذ صارتْ أمة إقرأ تطربُ ولا تقرأ ، وتجدُ أنّ تحريكَ الخصورِ أقل عناءً من تحريكِ العقولِ ازدادتْ انحداراً .

نظرة موضوعية على واقع الطربِ كفيلة أن تخبرنا أنّ العربَ انحدروا بعد تسامُق ، فحين تغني المطربة بجسَدِها ، ويستمعُ المستمعُ بعينيه ، وتقولُ له دانا : " فتّح عينك تاكل ملبن " لا بدّ إذاً من تصديقِ مروة : " فالصراحة راحة وإنت ما بتعرفش " ، فهل تعرفون أينَ يقفُ العربُ الآن بحسب مقياس ريختر للأممِ القابعة تحت الانقاض .

أتفه من الذي يغني ومن الذي يطربُ هو من يكتبُ هذه الأغنيات التافهة !

طبعاً من حق كل إنسانٍ أن يكتبَ ما شاء ، وأن يسميَ كلماته بما شاءَ من تسمياتٍ أيضاً ، كأن يكتبَ على جلدةِ دفتره : " بعد هذا فلتخرس الاقلام " أو " إلياذة الحروف " ، وله أن يتّبعَ الستايل القديم في تسمية الكتابات كأن يسميها " وحي القلم في خير ما قالته العربُ والعجم " أو " خمرُ الأقلام لنعنشة الأنام " أو " البيان في ابداعات أبلغِ عباد الرحمن " ولكن بشرطِ أن تبقى مقبورة بدرجِ مكتبه ، أمّا في اللحظة التي يقرر فيها إطلاق كلماته من دائرةِ أشيائه الخاصة فعليه أن يعرفَ أنّ هناكَ فرقاً شاسعاً بين الكتابة وبين الزنى بالكلمات !

عقاربُ السّاعةِ الآن تشيرُ إلى الواحدةِ ليلاً ، وها أنا جالسٌ وحدي أكتبُ هذه الكلمات آملاً أن أجنبها عناء السفرِ إلى شتات ، في يدي اليمنى كوب يانسون ، وفي يدي اليسرى قلم رصاص ، وشعورٌ بالسّخطِ يتملكني لأني كتبتُ كثيراً ولمْ أقلْ شيئاً بعد ! وفي غمرة سمفونية الأبجدية واليانسون أحاولُ أن أتخيل وضعية التافه الذي زوّد سعد الصُغيّر بمعزوفته الشهيرة " بحبك يا حمار " .

رأسُ التفاهةِ أن لا يعرفَ التافه مدى تفاهته !

رجلٌ يقتلُ زوجته الراقصة لأنه ضبطها مع رجلٍ آخر ، المسكينُ لم يكنْ يتوقعُ أن يرى هذا المشهد ، فالذي يتزوجُ من راقصةٍ يتوقعُ أن يضبطها متلبسةً بالقيام في الهزيعِ الأخير من الليل !

راقصةٌ ثانية تبكي على أطفال غزة ، ثم تهدي رجالها رقصة علّها تبلسم جراحاتهم !

ثالثة تخبركَ أنّها تحرصُ على الحج والعمرة تقرباً إلى الله ، ماذا تفعلُ الماشطةُ بالوجه العكر ؟! ، أوليسَ الذي أمر بالحج قد امر بالعفة من قبل ؟

راغب علامة يُحاضرُ في الانوثة ، ويتذمرُ من بشاعة المرأة السودانية وتخلفها ، فالجمالُ هو أن تكون المرأة مطرزة بالتاتوهات ومرصعة بالحلي في أماكن لا يعلم بها إلا الله . والحضارة أن تتسكع المرأة في شوارع الروشة والحمراء والداون تاون حتى مطلعِ الفجر!

إلى أي مدى متخلفة هي المرأة التي ربّتْ الطيب صالح وإخوته شبراً بشبرٍ بعد أن خلّفهم أبوهم قطعاً من اللحم الصغير بأفواهٍ عليها أن تأكل كثيراً لتكبر ، وعقول عليها أن ترتاد الكتاتيب لتستنير وتؤتي أكُلَهَا ، وإلى أي مدى متحضرة تلك المرأة التي خرّجت لنا العلامة راغب علامة .
عُذراً على بعض ما قد جاء في النص فقد كُتب سُخرية
أتمنى أن يُناقش من يحب منكم معي هذه الظاهرة
منقول

حنين الماضي
19 - 01 - 2012, 13:55
جار القمر


موضوعك جميل ويلامس واقعنا المرير الذي باتت في الفنانات تسحر القلوب والعقول الا لمن اتقى الله

وذلك العامل المسكين يعمل ويكد طول اليوم ولايلقى ربع ماتلقاه في حفله غناء

باتت المفاهيم مقلوبه ... فالمسكين والكادح تسلب حقوقهم رغم وجودهم الضروري للحياه ولانستطيع الاستغناء عنهم ابدا ... لكن حقهم دفن تحت مسمى المظاهر والنجوميه

اشكرك لموضوعك الراقي وطرحك المميز


واتمنى لك السعاده في كل حين

ودي