المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا هو الاسلام



* FOX *
17 - 01 - 2003, 02:28
‏ إن الرسل الكرام‏,‏ هم ـ كما يقول الإمام الشهرستاني ـ خيرة الله من خلقه‏,‏ وحجته علي عباده‏,‏ وكما يصطفيهم ـسبحانهـ من الخلق قولا بالرسالة والنبوة‏,‏ يصطفيهم من الخلق فعلا بكمال الفطرة‏,‏ ونقاء الجوهر‏,‏ وصفاء العنصر‏,‏ وطيب الأخلاق‏,‏ وكرم الأعراق‏....‏

ومع أن العقلاء قد اتفقوا علي أن الأنبياء جميعا قد عصمهم الله ـتعاليـ قبل النبوة وبعدها من كل قول أو فعل يتنافي مع الشرف والمروءة والفضائل ومكارم الأخلاق‏...‏ إلا أن المطالع لبعض كتب تفسير القرآن الكريم‏,‏ يري أقوالا دخيلة بالنسبة لبعض الأنبياء ـعليهم الصلاة والسلام ـ‏,‏ كما يري آراء لا أساس لها لا من النقل‏,‏ ولا من العقل القويم‏.‏
‏2‏ ـ فمثلا‏:‏ بالنسبة لآدم ـ عليه السلام ـ جاء قوله تعالى : وعصي آدم ربه فغوي‏[‏ سورة طه‏:‏ الآية‏121]‏ فظن بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآية الكريمة أن معصيةآدم تشبه معصية إبليس لربه عندما خالف أمره ـتعاليـ وأبي أن يسجد لآدم ـعليه السلامـ‏,‏ فقد نقل الإمام أبو حيان في تفسيره البحر المحيط جـ‏6‏ ص‏285,‏ أن بعضهم قال في تفسيره لهذه الآية‏:‏ لا شبهة في أن آدم ـصلوات الله عليهـ لم يمتثل مارسم الله له‏,‏ وتخطي ساحة الطاعة‏,‏ وذلك هو العصيان‏,‏ ولما عصي خرج فعله من أن يكون رشدا وخيرا‏,‏ فكان غيا لا محالة‏,‏ لأن الغي خلاف الرشد‏....‏

وهناك أقوال أخري حشا بها بعض المفسرين تفسيره‏,‏ نري من الخير الإعراض عنها‏,‏ كما نري من الخير ـأيضاـ عرض التفسير الصحيح لهذه الآية فنقول‏:‏
محال أن تكون معصية آدم ـ عليه السلام ـ التي وردت في الآية الكريمة‏,‏ تشبه معصية إبليس‏,‏ لأن معصية أدم ـعليه السلامـ كانت عن نسيان وضعف في العزيمة‏,‏ أما معصية إبليس فكانت عن تعمد وإصرار‏,‏ وعناد وتكبر وغرور وحسد لأدم ـعليه السلامـ‏.‏

والذي يقرأ الآيات التي وردت في سورة طه عن هذه القضية يري مصداق ما ذهبنا إليه‏,‏ فقد افتتحت هذه الآيات بقوله ـتعاليـ‏:‏ ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما أي‏:‏ والله لقد عهدنا إلي آدم من قبل أن يخالف أمرنا بألا يأكل من شجرة معينة‏,‏ فنسي العهد الذي أخذناه عليه‏,‏ وغاب عن ذهنه ما نهيناه عنه‏,‏ وهو الأكل من الشجرة‏,‏ ولم نجد له ثبات قدم في الأمور‏,‏ يجعله يصبر علي عدم الأكل من الشجرة‏,‏ بل لانت عريكته‏,‏ وفترت همته بسبب خديعة الشيطان‏.‏
ثم ذكر ـسبحانهـ بعد ذلك الأسباب التي أدت إلي نسيان آدم‏,‏ وإلي ضعف عزيمته فقال‏:‏ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي أي‏:‏ فامتثل الملائكة جميعا لأمر ربهم إلا إبليس فامتنع تكبرا وغرورا‏.‏

‏3‏ ـ ثم قص علينا ـسبحانهـ ما قاله لآدم بعد امتناع إبليس عن السجود له فقال‏:‏ فقلنا يا آدم إن هذا أي‏:‏ إبليس عدو لك ولزوجك بسبب حسده لكما وحقده عليكما فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي أي‏:‏ فاحذرا أن تطيعاه‏,‏ فإن طاعتكما له ستؤدي بكما إلي الخروج من الجنة فيترتب علي ذلك شقاؤك وتعبك‏.‏
وقال ـسبحانهـ‏:‏ فتشقي ولم يقل فتشقيا كما قال‏:‏ فلا يخرجنكما‏,‏ لأن الكلام من أول القصة مع آدم وحده‏,‏ أو لأن شقاء الزوج يدخل معه شقاء زوجته‏,‏ كما أن سعادته سعادتها‏,‏ أو لأنه هو الذي يمرد عليه التعب إذ هو المكلف بأن يقدم لزوجته ما تحتاجه من مطالب الحياة‏,‏ كالمأكل والملبس والمسكن‏...‏

ورحم الله الإمام القرطبي فقد قال عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه‏:‏ قوله ـتعاليـ فتشقي يعني أنت وزوجك‏,‏ لأنهما في استواء العلة واحد‏.‏ ولم يقل فتشقيا لأن المعني معروف‏,‏ وآدم هو المخاطب‏,‏ وهو المقصود‏.‏ وأيضا لما كان هو المسئول عنها والكاسب لها كان بالشقاء أخص‏.‏
ثم قال ـرحمه اللهـ‏:‏ وفي ذلك تعليم لنا بأن نفقة الزوجة علي الزوج‏,‏ فمن يومئذ جرت نفقة النساء علي الأزواج‏,‏ فلما كانت نفقة حواء علي آدم‏,‏ كانت كذلك نفقات بناتها علي الذكور من بني آدم بسبب الزوجية‏[‏ تفسير القرطبي جـ‏11‏ ص‏253].‏

‏4‏ ـ ثم بين ـسبحانهـ ما أنعم به علي آدم في الجنة فقال‏:‏ إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعري‏.‏ وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحي‏.‏
أي‏:‏ قال الله ـتعاليـ لآدم ـعليه السلامـ احذر أن تطيع إبليس فيحل بك الشقاء‏,‏ وتخرج من الجنة التي لا يصيبك فيها شيء من الجوع‏,‏ ولا شيء من العري أو العطش‏,‏ ولا شيء من حر الشمس في الضحي‏,‏ وإنما أنت فيها متمتع بكل مطالب الحياة الهنيئة الناعمة الدائمة‏.‏

قال صاحب الكشاف ـرحمه اللهـ‏:‏ الشبع والري والكسوة والسكن ـهذه الأربعةـ هي الأقطاب التي يدور عليها كفاح الإنسان‏,‏ فذكره استجماعها له في الجنة‏,‏ وأنه مكفي لا يحتاج إلي كفاية كاف‏,‏ ولا إلي كسب كاسب‏,‏ كما يحتاج إلي ذلك أهل الدنيا‏[‏ تفسير الكشاف جـ‏3‏ ص‏92].‏
‏5‏ ـ ثم بين ـسبحانهـ أن آدم ـعليه السلامـ مع كل هذه الوصايا والتحذيرات تغلب عليه ضعفه البشري‏,‏ فاستمع إلي وسوسة إبليس‏,‏ فقال ـتعاليـ‏:‏ فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي؟ والوسوسة‏:‏ هي الخواطر الرديئة التي تجول بفكر الإنسان‏.‏ أي‏:‏ فوسوس الشيطان إلي آدم‏,‏ بأن قال له يا آدم‏:‏ هل أدلك علي الشجرة التي من أكل منها عاش مخلدا لا يدركه الموت‏,‏ وصار صاحب ملك لا ينتهي ولا يبلي؟ وشبيهة بهذه الآية ما قصه علينا القرآن الكريم في قوله ـتعاليـ‏:‏ فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين‏.‏ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين‏[‏ سورة الأعراف‏:‏ الآيتان‏21,20].‏

ثم بين ـسبحانه ـ أن وسوسة إبليس لآدم قد أدت إلي أن يأكل من هذه الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها فقال ـتعاليـ‏:‏ فأكلا منها أي‏:‏ فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الأكل منها فبدت لهما سوءاتهما أي فظهرت لهما عوراتهما‏,‏ وسميت العورة سوءة‏,‏ لأن انكشافها يسوء صاحبها ويحزنه‏,‏ ويجعل الناس تنفر منه‏.‏
وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة أي‏:‏ وشرع آدم وحواء يلصقان علي جسديهما وأعضائهما من ورق الجنة لكي يسترا عوراتهما‏.‏

وعصي آدم ربه فغوي أي‏:‏ وخالف آدم ـعليه السلامـ أمر ربه في اجتناب الأ كل من الشجرة فغوي أي‏:‏ فأخطأ طريق الصواب‏,‏ بسبب نسيانه وضعف عزيمته‏.‏
قال المحققون من المفسرين‏:‏ ولكن آدم فيما فعل من الأكل من الشجرة كان متأولا‏,‏ لأنه ربما اعتقد أن النهي عن الأكل من شجرة معينة لا عن النوع كله‏...‏

قالوا‏:‏ وتسمية ذلك عصيانا لعلو منصبه‏,‏ وقد قيل‏:‏ حسنات الأبرار‏,‏ سيئات المقربين‏.‏
كما قالوا‏:‏ إن الأسباب التي حملت آدم علي الأكل من الشجرة‏,‏ أن إبليس أقسم له بالله إنه ناصح له‏,‏ فصدقه آدم ـعليه السلامـ لاعتقاده أنه لا يمكن لأحد أن يقسم بالله كاذبا‏,‏ والمؤمن غر كريم‏,‏ والفاجر خب لئيم‏,‏ كما جاء في الحديث النبوي الشريف‏.‏

‏6‏ ـ ثم بين ـسبحانهـ جانبا من فضله وكرمه لآدم ـعليه السلامـ فقال‏:‏ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدي‏.‏ والاجتباء معناه‏:‏ الاصطفاء والاختيار‏.‏ أي‏:‏ ثم بعد أن أكل آدم من الشجرة‏,‏ وندم علي ما فعل هو وزوجته‏,‏ اصطفاه ربه ـعز وجلـ وقربه واختاره‏,‏ وقبل توبته‏,‏ وهداه إلي الثبات عليها‏,‏ وإلي المداومة علي طاعة خالقه‏,‏ فقد اعترف هو وزوجته بخطئهما‏,‏ كما في قوله ـسبحانهـ‏:‏ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏[‏ سورة الأعراف‏:‏ الآية‏21].‏
أي‏:‏ قال آدم وحواء بعد أكلهما من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها‏:‏ يا ربنا نلتمس منك المغفرة والرحمة‏,‏ فقد أنزلنا الضرر والإساءة بأنفسنا بسبب ضعف عزيمتنا ونسياننا لنهيك‏,‏ وإن لم تغفر لنا ما سلف من خطئنا‏,‏ وترحمنا بأن تقبل توبتنا‏,‏ لنصيرن من الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة‏.‏

وقد أوحي الله ـتعاليـ إلي آدم ـعليه السلامـ بكلمات‏,‏ هذه الكلمات كانت السبب في قبول توبته‏,‏ لأنه داوم علي هدايتها وما ترشد إليه من طاعات‏,‏ وهذه الكلمات هي قوله ـتعاليـ‏:‏ فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم‏[‏ سورة البقرة‏:‏ الآية‏37].‏
والتلقي في الأصل‏:‏ التعرض للقاء‏,‏ ثم استعمل بمعني أخذ الشيء وقبوله‏.‏ تقول‏:‏ تلقيت رسالة من فلان‏,‏ أي‏:‏ أخذتها منه وقبلتها‏.‏

والكلمات‏:‏ جمع كلمة‏,‏ وهي اللفظة الموضوعة لمعني‏.‏ وأرجح ما قيل في تعيين هذه الكلمات‏,‏ ما جاء في الآية التي ذكرناها قبل ذلك وهي قوله ـسبحانهـ‏:‏ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏.‏
والتوبة في أصل اللغة معناها‏:‏ الرجوع‏.‏ وإذا عدي فعلها وهو تاب كان معناها الرجوع عن المعصية إلي الطاعة‏.‏ وإذا عدي بعلي ـكما في هذه الآيةـ كان معناها قبول التوبة‏,‏ فالعبد يتوب عن المعصية‏,‏ واللهـ تعاليـ يتوب علي العبد‏.‏ أي‏:‏ يقبل توبته‏.‏

وقوله ـتعاليـ‏:‏ إنه هو التواب الرحيم‏:‏ وارد مورد التعليل لقوله ـتعاليـ‏:‏ فتاب عليه‏.‏
والتواب‏:‏ وصف له ـتعاليـ من الفعل تاب‏,‏ أي‏:‏ قبل التوبة‏,‏ وجاء التعبير بصيغة فعال‏,‏ للإشعار بأنه ـعز وجلـ كثير القبول للتوبة عن عباده‏,‏ وليدل علي أنه يقبل توبة العبد وإن وقعت بعد ذنب يرتكبه ويتوب منه‏,‏ ثم يعود إليه بعد التوبة‏,‏ ثم يتوب بعد العودة إليه توبة صادقة نصوحا‏.‏

‏7‏ ـ والخلاصة أن الذين يقولون بأي تشبيه بين معصية آدم ـعليه السلامـ ومعصية إبليس لخالقه ـعز وجلـ هم مخطئون‏...‏
وذلك لأن معصية إبليس لخالقه ـعز وجلـ كما سبق أن أشرناـ كانت عن جحود وعناد وتكبر وإصرار علي المعصية‏,‏ أما معصية آدم ـعليه السلامـ فكانت عن نسيان وضعف في العزيمة‏,‏ ولم تكن عن إرادة وقصد‏,‏ والله ـتعاليـ بفضله وإحسانه لا يؤاخذ عباده علي الخطأ غير المقصود‏,‏ أو علي النسيان‏,‏ متي تاب هؤلاء العباد توبة صادقة يعقبها الندم علي ما سبق من خطأ‏,‏ والإقلاع عن هذا الخطأ في الحال‏,‏ وعدم العودة إليه في المستقبل‏.‏

وقد فعل آدم ـعليه السلامـ كل ذلك‏,‏ فقبل الله ـتعاليـ توبته‏,‏ وغفر له حوبته‏,‏ واجتباه واصطفاء واختاره لحمل رسالته‏,‏ وهداه إلي الثبات علي الصراط المستقيم‏,‏ وأعطاه علما لم يعطه لملائكته‏,‏ وأمرهم بالسجود له وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏..‏

http://www.ahram.org.eg/arab/ahram/2003/1/16/SMoSTntawe2ss.jpg

عاشق السمراء
17 - 01 - 2003, 02:39
الف شكر اخي بقايا على هذا الموضوع الطيب .. !!

اختيار جميل منك . !!